بهاء الله
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
بهاء الله مؤسس الدين البهائي (1817 – 1892) : ولد الميرزا حسين علي النوري في مدينة طهران في 12 نوفمبر 1817 في منطقة تدعى "بوابة شمران". وكان والده الميرزا عباس النوري الملقب بميرزا بزرگ من نبلاء ايران حيث تنحدر سلالة بهاء الله من السلالة الساسانية العريقة, و كانت عائلته تملك اراض واسعة وعقارات متعدده في اقليم نور في مازندران.
شغل افراد اسرة بهاء الله مناصب سياسية هامة في الدولة لعدة اجيال, ولقد شغل والده الميرزا عباس منصب وزير الدولة لشئون منطقة مازندران. و على شأن أولاد الأغنياء والنبلاء في ذلك العصر لم يذهب بهاء الله الى المدارس بل اكتفى بتلقي فنون الفروسية والخط ومبادئ القراءة في بيت والده. وعند وفاة ميرزا عباس عام 1839م عرضت الحكومة على بهاء الله وضيفة والده ولكنه رفضها. قضى بهاء الله بعد ذلك عدة اعوام في ادارة املاك العائلة والمشاركة بشكل واسع في اعمال الخير فاطلق عليه اهل المنطقة لقب "أبو الفقراء".
وفي سن الثامنة والعشرين آمن حسين علي بدعوة الباب في سنة 1844 فور إطلاعه على بعض كتابات الباب التي ارسلها له مع اقرب مؤيديه "ملا حسين بشروئي". وصار بهاء الله من اشهر اتباعه الباب وانصار دينه. قام بهاء الله بنشر تعاليم الباب وخاصة في اقليم نور وكانت قد حمته مكانة اسرته وحسن سيرته من الاضطهاد نوعا ما خلال الثلاث الى الاربع سنوات الاولى من ايمانه بدعوة الباب. ولقد لعب بهاء الله دورا رئيسيا في انتشار دعوة الباب وخاصة خلال مؤتمر بدشت الذي يعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ البابية واتخذ حسين علي لنفسه خلال هذا المؤتمر لقب بهاء الله.
وبعد وفاة الباب استمر بهاء الله بترويج دعوة الباب وتمتع بمكانة قيادية خاصة بين البابيين. والقي القبض على بهاء الله في سنة 1852م وزج به في سجن "سياه جال" (النقرة السوداء) بعد محاولة فاشلة لإغتيال الشاه التي اتهم بهاء الله بالضلوع فيها رغم عدم توفر الأدلة. ولم تحميه مكانته الاجتماعية من التعرض لشتى انواع العذاب والاضطهاد بعد ذلك. ويذكر التاريخ البهائي ان بداية نزول الوحي على بهاء الله كانت خلال فترة وجوده في ذلك السجن ولو انه لم يفصح بذلك إلا بعد مرور 10 سنوات.
أطلق سراح بهاء الله من سجن السياه جال بعد ان قضى فيه اربعة اشهر ونصف بعد ان اعترف الاشخاص الحقيقيون بعملتهم ضد الشاه. وعقب خروج بهاء الله من السجن نفي فورا من وطنه الى مدينة بغداد التي كانت وقتها تحت الحكم العثماني ومكث فيها عشرة سنوات. ولقد عرف بهاء الله في هذه الفترة بعلمه ومساعدته للفقراء والمحتاجين. ويذكر التاريخ البهائي انه بالاضافة الى علاقة بهاء الله الطيبة مع اهل المنطقة فلقد احترمه علماء المنطقة وقادتها فجاء للقائه الاكراد من علماء الصوفيه الذين كانوا قد سمعوا عنه خلال فترة عزلته التي دامت سنتين في منطقة السليمانية وزاره كذلك العديد من معاصريه من علماء بغداد ومن ضمنهم ابن الالوسي مفتي بغداد الشهير والشيخ عبد السلام والشيخ عبد القادر والسيد الداودي ووفود عديدة من اصحاب الشأن ونبلاء البلاط العثماني والفارسي.
ونتيجة ضغوط من الحكومة الايرانية, نفي بهاء الله بعد ذلك مرة أخرى الى القسطنطينية (استانبول) وبعدها الى مدينة أدرنة في القسم الأوروبي من تركيا وبقى هناك خمسة سنوات حبس بعدها في قلعة عكاء في فلسطين. وكان حبسه ونفيه الذين داما طوال الاربعين سنة الاخيرة من حياته لغرض التخلص منه والحد من انتشار نفوذه. ويذكر التاريخ البهائي ان بهاء الله اعلن دعوته كصاحب رسالة مستقلة الى بعض اتباعه في حديقة على ضفاف نهر دجلة سميت فيما بعد بـ "حديقة الرضوان" وكان ذلك قبل رحيله من بغداد.
وأثناء وجود بهاء الله في مدينة ادرنة, زاد الخلاف بينه وبين اخيه غير الشقيق الملقب بــ (صبح أزل) الذي كان يصر على زعامته للحركة البابية حسب وصية الباب وانتهى هذا الخلاف بدعوة بهاء الله العلنية في 1866 بأنه هو الذي بشر الباب بقدومه بكنية "من يظهره الله" وموعود الظهورات التي سبقته. ومن بعدها نفي صبح أزل مع اتباعه الى جزيرة قبرص ونفي بهاء الله الى سجن عكاء.
كتب بهاء الله خلال الاربعين سنة التي قضاها في الحبس والنفي العدد الوفير من الكتب والرسائل باللغتين العربية والفارسية ومن كتبه المشهورة: الكتاب الأقدس الذي دون فيه أحكام الدين البهائي, وكتاب الإيقان وكتاب الوديان السبعة وكتاب الكلمات المكنونة وغيرها . وخلال إقامته في ادرنة سنة 1866 وكذلك بعدها خلال سجنه في قلعة عكاء سنة 1868, أرسل بهاء الله عدة رسائل معنونة الى ملوك وسلاطين ذلك العصر ولبابا الكنيسة الكاثوليكية ,أعلن لهم فيها عن مقامه ودعاهم فيها الى نبذ الخلافات والى العمل من اجل وحدة العالم ومن اجل السلام. وكان من ضمن هؤلاء, السلطان عبد العزيز و ناصر الدين شاه ملك ايران ونابليون الثالث والملكة فكتوريا ملكة بريطانيا وملك النمسة وقيصر روسيا وغيرهم .
وقرب نهاية حياته, تراخت صرامة الحبس وتطبيق احكام السلطان عبد العزيز شيئا فشيئا. ورغم انه كان لايزال سجينا رسميا, فلقد سمح لبهاء الله ان يقضي آخر سنوات عمره في بيت واسع في احدى ضواحي المدينة كان قد اشتراه ابنه عباس افندي "عبد البهاء". وأستمر بهاء الله في الكتابة في سنواته الاخيرة في هذا البيت الذي يسمى بـ "قصر البهجة". وزاره في هذا البيت المستشرق ي. ج. براون و وصف براون لقائه هذا مع بهاء الله في كتابه"مقالة سائح" (من مطبوعات جامعة كامبردج).
وعند وفاة بهاء الله في سنة 1892 دفن في احدى الغرف في البيت المجاور لقصر البهجة, ويعتبر مرقده أحد الأماكن المقدسة التي يزورها العديد من الناس ويعتبر كذلك قبلة البهائيين في صلاتهم.
[تحرير] رأي العرب من معاصريه
دخل بهاء الله مدينة عكّا سجينًا، وبقي فيها سجينًا زهاء ربع قرن بأمر من السلطان العثماني، واتُّهم بالكفر، وتقويض أركان الدّين، وادّعاء الألوهيّة، وتضليل النّاس؛ فحذرته أهالي عكّا أوّل الأمر، ثم تتبّع النّاس حركاته، وتحرّوا أمره، واطّلعوا على دعوته، وتفحّصوا أقواله وأفعاله خلال تلك الفترة الطويلة التي قضاها بينهم، فتبيّنوا كذب كلّ ما أشيع عنه. بذلك شهدت كلماتهم وعباراتهم حين تشييعهم جنازته وتأبينه(1). وأعربت كلماتهم البسيطة عن مشاعر فاضت بها قلوب صادقة، رغم ما كان يمكن أن يلحق بهم من أذى لمخالفتهم الإرادة السّنيّة،بهاء الله عاش في عكا وتوفي فيها سجينا. كتب الأستاذ جاد عيد من أهالي عكّا راثيًا بهاء الله: "... فلا محاسن فضله تدرك، ولا مآثر عدله تعدّ، ولا فيوض مراحمه توصف، ولا غزارة مكارمه تحصر، ولا كرم أعراقه ككرم أعراق النّاس. فإنّ كلّ هذه الصّفات الّتي كان فيها آية الله في خلقه لم تكن لتفي بوصف بعثته الشّريفة، فهو الإمام المنفرد بصفاته، والحبر المتناهي بحسناته ومبرّاته، بل هو فوق ما يصف الواصفون وينعت النّاعتون..."
ومن رثاء نظمه الشّيخ عبد الملك الشّعبي:
لقد كان ربّ الفضل والعلم والتّقى......وبحر النّدى والجود والحلم والمجد
ومصباح جود في الدّجى يهتدي به......بلى غاية الرّاجي وأكرم من يسدي
ومن رثاء نظمه المعلّم أمين فارس من كفر يسيف:
قد كان كهفًا للبرايـا كـلّ مـن.........وافاه كان ينال ما يستنظر
قد كان شمس هدى وبدر فضائل......ومفاخر ومآثـر لا تنكـر
ومن رثاء رشيد افندي الصّفدي من عكّا:
إمام قد حوى علمًا وفضلاً......ورشدًا منه قد ظهر البهاء
بتحقيق اليقين على صلاح......وزهد لا يشوبهمـا ريـاء
ومن رثاء أمين زيدان:
يا إمام الهدى ونور البهـاء.........أيّ لفظ يفيك حقّ العزاء
ليت شعري من لي بلفظ نبيّ......فيه أرثي علامة الأنبياء
كما كذّب المؤرخ الإسّلامي، الأمير شكيب أرسلان، موضحا عدم صحة الافتراءات الموجّهة إلى بهاء الله، فقال: "وممّا لا جدال فيه أن البهاء وأولاده بمقامهم هذه المدّة الطّويلة بعكّا أصبحوا بأشخاصهم معروفين لدى أهالي بلادنا المعرفة التّامة، بحيث صفا جوهرهم عن أن تعتوره الجهالة، وامتنعت حقيقتهم عن أن تتلاعب بها حصائد الألسنة. أمّا البهاء فقد أجمع أهل عكّا على أنّه كان يقضي وقته معتزلاً معتكفًا، وأنّه ما اطّلع له أحد على سوء، ولا مظنّة نقد، ولا مدعاة شبهة في أحواله الشّخصيّة كلّها..."(2)
وكتب محمود خير الدّين الحلبي، صاحب جريدتي وفاء العرب والشّورى الدّمشقيّتين: "...وانتقل حضرة بهاء الله إلى (البهجة) وواصل جهاده حتى أصبح كعبة الورّاد من جميع الجهات. وبدأت الهبات ترد عليه بكثرة من الأتباع والمريدين. ومع ذلك فما كان يتجاوز حدود البساطة وكان ينفق على الفقراء والمساكين، ويقضي معظم أوقاته بالصّلاة والعبادة..."(3)
____________________________________________________________________________
هذا الرابط يأخذك إلى صورة لحضرة بهاء الله . إذا أردت الإطلاع عليها قم بضغط الرابط . وإلا فإذا كنت لا تريد أن ترى الصورة لا تضغط هذا الرابط رجاء ً.
- (1) ملا محمد علي زرندي، مثنوي، المطبعة العربية بمصر، ١٩٢٤.
- (2) الأمير شكيب أرسلان، حاضر العالم الإسلامي، المجلد ۲، الجزء ۳ ص٣٥٨.
- (3) محمود خير الدّين الحلبي، عشر سنوات حول العالم، الجزء ۱، ص٤١، مطبعة ابن زيدون، دمشق، ١٩٣٧
[تحرير] المراجع
المصادر الرئيسية التي استخدمت لكتابة هذه المقالة هي:
- Bahá’u’lláh; The King of Glory, Hassan Balyuzi, Oxford, George Ronald, 1980
- "كتاب القرن البديع: من آثار قلم حضرة وليّ أمر الله شوقي ربّاني", من منشورات دار النّشر البهائيّة في البرازيل، 1986م ترجمّة محمّد العزّاوي.
- The Bahá’í Faith, The Emerging Global Religion, William Hatcher and Douglas Martin, Harper & Row Publishers, 2nd Edition 1997
ترجمه إلى العربيّة عبد الحسين فكري بعنوان "الدين البهائي: بحث ودراسة", دار النّشر البهائيّة, البرازيل، 2002م
- Adib Taherzadeh, The Revelation of Bahá’u’lláh, George Ronald, Oxford, 1975