مستخدم:جوزيف سمعان
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
فهرست |
[تحرير] 
[تحرير] عقيدة الحبل بلا دنس (الحبل البتولي)
[تحرير] مقدّمة عامّة
يتمحور بحثنا هذا حول مريم العذراء في عقيدة الحبل بلا دنس، وما تركته من اثر بين المؤمنين، بعد العديد من الصراعات داخل الكنيسة، الى أن حددها البابا بيّوس التاسع في الثامن من كانون الأول سنة 1854. فمريم العذراء الذي لم يحّل الله في حشاها بنعمة العناية والقوة فقط إنما بنعمة تجاوزت أكثر بكثير من الاثنين معًا، وهي أن حضور الله فيها كان حضورا كاملاً وكينونيًّا. وهذا ما سنراه في هذه الدراسة الموجزة، حول هذه العقيدة من خلال الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد، دون أن نغفل أن هذين الكتابين لم يأتيا بأي ذكر مباشر لعبارة "الحبل بلا دنس" (الحبل البتولي). محاولين تعزيز هذه النصوص بما قدّمه لنا التقليد الكنسي أيضًا خلال القرون الأولى من بدايات المسيحية، وما كتبه الآباء القديسون حول هذا الموضوع. نعلم تمامًا وبشكل قاطع لا يقبل الشك أبدًا، أن ما ورد في العهد الجديد حول مريم العذراء قليل جدًّا. فهي ذكرت في 6 كتب من أصل 27 كتابًا، وفي 14 فصلاً، وتحديدًا في 116 آية تُذكر أمّ يسوع من أصل 7961 في العهد الجديد، مما يشكل 1.45 بالمئة، وهذا قليل للغاية. فلذلك يبقى حضور مريم وحبلها بيسوع دون دنس سرًّا سنحاول الاقتراب منه قدر المستطاع.
[تحرير] حبل بتولي!؟
نجد أن كتابي متى ولوقا أوردا في فصلين كل واحد منهما في وصف البشارة والحبل الإلهي على طريقته، على عكس ما صمت عنه مرقس والذي أتى متشككًّا احيانًا، دافعًا الى التساؤل حول ما جرى في تلك الحقبة. أما يوحنا الذي لم يأتِ على ذكر الحبل بيسوع والمراحل التي تلته دفع باللاهوتيّين الى العديد من الأبحاث والاستفاضة بها بشكل متواصل للوصول الى ماهيّة بتوليّة مريم وبقائها عذراء قبل، خلال وبعد الولادة.
[تحرير] الفصل الأول
يروي الإنجيلي متّى بدايات الطفولة عند يسوع في فصلين يتناول فيهما أدقّ التفاصيل، مبرزًا دور يوسف الصامت في جميع المراحل، منذ ظهور الملاك له ليدعوه الى أن يأتي بمريم الى بيته، ومن ثمّ طلبه منه الهرب الى مصر والعودة منها. في حين أن الفصل الثاني يذكر مريم وابنها خمس مرّات (متى 2: 11 و 13 و 14 و 20 و 21). ومتى يقصد البدء بنسب يسوع لإبراز الشهادة الإيمانيّة بمشيحيّة المسيح وفق نبوءة ناتان (2 صم 7: 8-16) التي تحقق المواعد التي وُعِدَ بها إبراهيم (تك 12: 2-7 و 22: 16-18). فالذي سنعوّل عليه هو محاولة سَبْر الكلمات ومعناها الدقيق، وما يحتويه هذا النص أو تلك الآية، لنشرحَ حصريًّا وبشكل علميّ ما يدور حول الحبل البتولي بمريم قبل، خلال وبعد ولادتها ليسوع، فنصل بذلك الى عقيدة الحبل بلا دنس.
[تحرير] عذراء وبلا دنس!
يذكر متى في كتابه أن مريم عند خطبتها ليوسف "وجدت قبل أن يتساكنا حاملاً من الروح القدس" (متى 1: 18). مما يعني وبوضوح أن العذراء حُبِل بها بطريقة عجائبية، وذلك أكبر دليل على بقائها بتول قبل وخلال الحبل الإلهي بها، وفي هذا أراد متى إظهار الحبل البتولي بيسوع كإتمام لنبوءة أشعيا في قوله:"إن السيد نفسه يؤتيكم آيةً: ها إن الصبية تحمل فتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" (أش 1: 47) ويتابع الكاتب أن يوسف "أتى بامرأته الى بيته، على أنه لم يعرفها حتى ولدت ابنًا فسمّاه يسوع" (متى 1 : 24-25). فإذا ولَجْنا هذه الجملة وقرأناها بانتباه كلّي للاحظنا ورود كلمة "حتى ولدت ابنًا"، مما يعني حُكمًا أن العذراء عرفت يوسف بعد الولادة وبالتالي فقدت عذريتها! وهنا نستشهد بما نقله إلينا التقليد الكنسي حول هذا الموضوع شارحًا هذا التعبير الذي لا يعني مطلقًا أن يوسف عرف مريم بعد الولادة، ولنا مثال على ذلك قول الكتاب المقدس :"إن ميكال إبنة شاوول لم تَلِد ولدًا الى يوم ماتت" (2 صم 6: 23)، فهل هذا يعني أنها ولدت بعد الموت؟! ونضيف أيضًا تعليلاً آخر يشرحه أفرام السرياني: (الديتسّرون، 2، 10-11) "إن كلمة حتى لا تدل على حدّ، مُقارِنًا بما يقوله المزمور:"قال الربّ لسيدي إجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئًا لقدميك" (مز 110: 1) مشيرًا الى أنه إذا كانت كلمة حتى تدل على حدّ، يقتضي إذًا أن يترك الربّ يمين أبيه عندما يضع أعداءه تحت قدميه. ويشدّد مار افرام على بتولية مريم قبل وخلال الحبل وبعده، داحضًا ما يُذكر عما فُسّر خطأً حول أخوة يسوع المذكورون في الإنجيل باعتباره انه لو كان لمريم أولاد غير يسوع وكان يوسف زوجها، لما سلّمها ربّنا الى يوحنا ( يو 19 :26 – 27)، داعمًا هذا القول بأن من أكرم أباه وأمّه (مر 10 :19) كيف يكون قد فرّق بين مريم وأولادها ليسّلمها الى يوحنا. حيث لا يُفهم هذا الأمر لو كان لها أولاد غير يسوع. فالعهد الجديد الذي تكلّم في العديد من المقاطع على أخوة يسوع وأخواته(متى 12 :46 و13: 55 ومر 6: 3، لو 8: 19، يو 2: 12 ، و 7: 3- 5 ، أع 1: 14 وغل 1: 19) طرح علامات استفهام حول بتولية مريم. لكنهم فعلاً ليسوا أخوة يسوع بالطبيعة، ولا أولادًا من ثم لمريم، والدليل على ذلك هو أن الإنجيل يذكر لنا أمّهم مثال مريم زوجة قلوبا (يو 19 : 25)، والتي هي أم يعقوب ويوسف التي يدعوها الإنجيل أيضًا مريم أخت مريم أم يسوع" (متى 27 : 56). فمن غير المعقول أن تُدعى فتاتان بالإسم عينه في ذات العائلة، ثم إنّ يسوع وحده يدعى "ابن مريم" (مر 6: 3) ونعرف انه "في البيئات الساميّة، كثيرًا ما يُطلق لفظ أخوة على الأقرباء: الأخوة والأصهار" (معجم اللاهوت الكتابي، الطبعة الرابعة 1999، دار المشرق ص 727).
[تحرير] عذراء في براهين لاهوتيّة
تجدر الإشارة الى أن ايرونيموس، امبروسيوس واريجانوس أعطوا برهانًا لاهوتيًّا حول عذرية مريم بعد الولادة متسائلين: هل من المعقول أن الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس الذي تجّسد "بقوة الروح القدس دون زرع رجل" (مجمع لاتران سنة 649 ق 2: د 503) في حشا مريم ان تراودها بعد ذلك إرادة العيش كسائر النساء، ورغبة إنجاب أولاد آخرين: فالله الذي امتلك كل كيان العذراء أراد لها البقاء نقية طاهرة قبل، خلال وبعد الولادة، وهذا ما كرّست مريم ذاتها لأجله بكامل حواسها الروحية والجسدية. وإذا كان لا بدّ من شكّ في عذرية مريم بعد الولادة فكيف لا نقطعه نحن أمام مشهد رائع يوَّجج فينا الإيمان اليقين، من خلال دخول يسوع على تلاميذه بعد القيامة الى "دار أُغلقت أبوابها خوفًا من اليهود" (يو 20: 19) فهذا الرّب القادر على كل شيء هو الذي دخل أحشاء مريم بواسطة الروح القدس وخرج طفلاً دون أن يمّس هذه العذرية، وبهذا لم ينتزع منها بتوليتها بعد الولادة. من ناحية ثانية يعود كل السرّ المريمي الى "أم الله" ( Théotokos مجمع أفسس 431)الأمومة الإلهية والبتولية، فالعذراء خضعت للقانون الذي يتحكم تحكمًّا مباشرًا في الكلمة الإلهي ويتجاوز قانون الطبيعة لأنها أمّه، فولدت ولادة بتولية لأنها أم الله.
[تحرير] عقيدة بوحي الروح القدس
أخيرًا قد تبقى تساؤلات عديدة تُطرح في إطار التفسير العقائدي في الكنيسة، وإذا بقيت عقيدة الحبل البتولي قرابة ال 20 قرنًا لتحديدها والغوص في كلمات النصوص الإنجيليّة لاستخراجها، يبقى على الإنسان العمل الكثير مع الله وبوحي من الروح القدس للإقتراب أكثر والاتحاد به.
[تحرير] الفصل 2
[تحرير] عفّة وبتوليّة
يرتقي الطبيب الكاتب رفيق القديس بولس، في كتابه الإنجيل الثالث الى أن يصف الأحداث بدقّة أكثر من الباقين، معتمدًا على ثقافته واختصاصه وهذا ما يطالعنا به في بداية كتابه في الفصلين الأولين، حيث انفرد براوية طفولة يسوع بطريقة مميزة، ممّا سيغني بحثنا هذا الذي نحن في صدده حول عقيدة الحبل بلا دنس (الحبل البتولي). ومما لا شك فيه أن لوقا الذي أراد إيصال رسالة يسوع والمساهمة فيها عبر كتابه لم تأت إلاّ نتيجة بحث معّمق ومعرفته المسبقة بالعهد القديم. إن ما يهمّنا هو تسليط الضوء على ما كتبه لوقا وكيف أبرز اهتمامه بالعفة (لو 2: 36 و 14: 26 و 18: 29) والبتولية (أع 21: 9) مظهراً طهارة مريم.
[تحرير] عذراء لم تعرف رجلاً؟
هذا الطبيب الذي يبدأ مطلع كتابه بعرض مُسْهَبْ عن طفولة الرب، يذكر في معرض حديثه عن البشارة أن الله "أرسل الملاك جبرائيل... الى عذراء مخطوبة... إسم العذراء مريم" (لو 1: 26- 27)، فنرى انه يشدد على كلمة عذراء التي ورد ذكرها مرتين ليؤكد لنا على أهمية هذه العذرية (قبل الخطوبة ومن المؤكد بعدها) عند مريم الذي اختارها الله، على الرغم ما أتى في العهد القديم حول ما تحمله البتولية من عار، وهذا ما نراه عند بنت يفتاح التي تبكي بتوليتها (قض 11- 38) وعند ابنة صهيون -مريم- رمز الشعب الإسرائيلي (يؤ 1- 8 وعا 5: 2 ومر 1: 15 و20: 13) والتي لا يمكن أن تكون عارًا لأن هذه البتولية ستخصب وتلد ابن الله. إن الدخول الى عمق النصوص اللوقانيّة، ووضع بتولية مريم موضع بحث وجدل، جعل الكنيسة تقرأ وتحلّل الحبل البتولي وتتعمّق أكثر في التعابير. وعلى هذا نستطيع البدء باعتراض مريم للملاك المبشرّ بقولها: "كيف يكون هذا ولا أعرف رجلاً" (لو 1: 34) فهذا الفعل "عَرَفَ" نراه كثيرًا يعّبر عن العلاقات بين الزوجين حيث "عرف الإنسان حواء امرأته (تك 4: 1) و"قايين عرف امرأته" (تك 4: 17) و"آدم عرف امرأته مرة أخرى" (تك 4: 25) و"لوط قدّم ابنتيه اللتين لم تعرفا رجلاً" (تك 19: 8) الى أهل المدينة، وتذكر النصوص أيضًا كيف أن إسحق أحب رفقة ابنة يوئيل العذراء التي لم تعرف رجلاً ( تك 24: 16)، فهل فعل (عَرَفَ) يعني بعبارة مريم رفضها للبشارة وأنها تريد المحافظة على بتوليتها التي كرستها لله، أم انه اعتراض على الحبل قبل الزواج!؟ وعلى هذا يجيب لاهوتي ألماني (J. GEWISS, "DIE marienfrage lk 1.34" Biblische Zeitschrift 5 (1961), p. 253) أنه: "لا يحسن بنا أن نفهم السؤال انطلاقًا من الحدث، كما لو كان تعبيرًا عن حالة مريم النفسية، ففي نظر الإنجيلي، يبدو السؤال طريقة أدبية لإفهام القارئ أن الحبل بقوة الروح القدس يقتضي ولادة بتولية، وأن مريم ولدت المسيح ولم تزل عذراء". واذا كانت هذه العذرية بدون رجاء بالزواج والأمومة، أمرا محزنًا في إسرائيل، فقد كانت مكرّمة، وفي علاقة بالوظائف المقدّسة. ونعطي مثالاً عن العفة من العهد القديم حول ما ورد عن زواج الكهنة بالأبكار (حز 24: 22). الى ذلك تعني كلمة البكر انه الولد الذي لم يولد قبله أي طفل آخر سواء وُلد بعده أم لا، وفي الإشارة الى ما ورد في كتاب لوقا بحديثه عن الطفولة أن مريم ولدت ابنها البكر" (لو 2: 7)، لا بدّ لنا ان نستشهد بسفر الرؤيا الذي يشير الى البتولية كدليل على الشراكة الفريدة مع الله بقوله: "هؤلاء هم الذين لم يتنجسوا بالنساء فهم أبكار" (رؤ 14: 4) مع ما يأتي في غير مكان حول العفة والبتولية المرتبطين بمجيء الملكوت (لو 18: 29 و 20: 35) وحتى لا نحّمل النص أكثر من حجمه نشير الى انه في التقاليد اليهودية كانوا يخبرون أن النساء القديسات في إسرائيل كنّ يلدن بدون مشقات، كما حصل على سبيل المثال مع أم موسى (خر 1: 19) أما ذكر "الابن البكر" فإنه يمهد حصرًا عند لوقا للتقدمة في الهيكل وفقًا لأحكام الشريعة التي تتكلّم في الواقع على البكر (لو 2-23 وخر 13: 2). فالعبارة لا تذكر شيئا آخر ولا تفترض أن مريم ولدت أولادًا آخرين.
[تحرير] التواصل مع الكتاب المقدّس
يبقى لنا أن نرى في كتابات الطفولة عند لوقا رسالة واضحة للبشرية كما في كل كتابه، فهو لم يسقط كلمة في نصوصه بطريقة عبثية، إنما علينا اكتشاف ما تحتويه هذه النصوص، وهذا ما فعلته الكنيسة على مدى 20 قرنًا وستفعله دائمًا لاستخراج الجيّد. فإذا حُددّت عقيدة الحبل بلا دنس بعد ما يقارب الألفي عام هذا يعني أننا سنظل على تواصل دائم مع الكتاب المقدس للاقتراب أكثر فأكثر من كل ما هو إلهي.
[تحرير] خاتمة
[تحرير] عقيدةٌ موحاة
أخيرًا نشير الى أن الوحي الإلهي الذي اكتمل بمجيء يسوع المسيح، من المؤكد أن يُعْمِلَ الروح القدس في الكنيسة الناشئة آنذاك وحتى يومنا هذا والى ما لا نهاية. وإذا كانت الكنيسة أعلنت في مجامعها بوحي من الروح القدس أن العذراء مريم حُبِلَ بها بلا دنس، يبقى أن نولي كامل ثقتنا بالعمل الإلهي الدؤوب لتنمية البشرية وإيصالها الى مصافي القداسة.
- جوزيف سمعان إعلامي ومتخصّص في علوم اللاهوت