تاريخ ليبيا

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

عرف قدماء المصريين الشعوب التي تقطن إلى الغرب من مصر بالليبيين . كانت القبيلة الليبية التي تعيش في المنطقة المتاخمة لمصر هي قبيلة الليبو (LIBU). وقد ورد ذكر هذه القبيلة لأول مرة في النصوص المصرية التي تنسب إلى الملك مرنبتاح (Merneptah) من الأسرة الفرعونية التاسعة عشرة (القرن الثالث عشر ق.م.). ومن اسمها اشتق اسم ليبيا وليبيين. وقد عرف الإغريق هذا الاسم عن طريق المصريين ولكنهم أطلقوه على كل شمال أفريقيا إلى الغرب من مصر، وقد بلغ بعض القبائل درجة من القوة مكنها من دخول مصر وتكوين أسرة حاكمة هي الأسرة الثانية والعشرون، التي حكمت مصر قرنين (من القرن العاشر إلى القرن الثامن ق . م ) وقد استطاع مؤسس تلك الأسرة الملك شيشنق توحيد مصر، و إجتياح فلسطين. بدأ اتصال الفينيقيين بسواحل شمال أفريقيا منذ فترة مبكرة حيث سيطروا على البحر المتوسط واحتكروا تجارته وكانوا عبورهم البحر بين شواطىء الشام وإسبانيا ليجلبوا منها الفضة والقصدير. وكانوا يبحرون بمحاذاة الساحل الغربي من خوفا من هباج البحر. فكانت سقنهم ترسو على الشواطىء الليبية للتزود بما تحتاج إليه أثناء رحلاتها البحرية الطويلة . وقد أسس الفينيقيون مراكز ومحطات تجارية كثيرة على طول الطريق من الشام بالشرق إلى إسبانيا في الغرب. وعلى الرغم من كثرة هذه المراكز والمحطات التجارية لكن المدن التي أنشأوها وأقاموا بها كانت قليلة لأنهم كانوا تجارا لا مستعمرين. وكان من أسباب إقامة المدن التي استوطنها الفينيقيون في شمال أفريقيا تزايد السكان وضيق الرقعة الزراعية في الشام(فينيقيا) وطنهم . والصراع ببلادها لغارات الآشوريين والفرس ثم الإغريق. امتد نفوذ الفينيقيين إلى حدود برقة (قورينائية). وأسسوا بعض المدن المهمة كطرابلس ولبدة، و صبراته. وقد ازدهرت تجارة الفينيقيين على الساحل الغربي من ليبيا وذلك لسهولة الوصول إلى أواسط إفريقيا الغنية بمنتجاتها الثمينة كالذهب والأحجار الكريمة والعاج وخشب الأبنوس و الرقيق، وكانت أهم طرق القوافل تخرج من مدينة جرمة التي كانت مركزا هاما لمنتجات أواسط إفريقيا التي كانت تنقلها القوافل عبر الصحراء إلى المراكز الساحلية حيث تباع للفينيقيين مقابل المواد التي كانوا يجلبونها معهم . واستمر الجرماتيون مسيطرين على سوق التجارة بليبيا أكثر من ألف سنة . كان الفينيقيون والإغريق في علاقات تجارية معهم. لمن الرومان حاولوا إخضاع الجرماتيين بالقوة للسيطرة على تجارة وسط إفريقيا. لكنهم فشلوا وهادنوا الجرماتيين . واستمر وجود الفينيقيين وازداد نفوذهم في شمال إفريقيا خاصة بعد تأسيس مدينة قرطاجة في عام 814 ق.م. ). وأصبحت قرطاجة أكبر قوة سياسية وتجارية في حوض البحر المتوسط الغربي، وسادها الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي فترة طويلة . دخلت بعدها في صراع مرير مع روما لما وصلت إليه تلك المدينة الفينيقية من قوة وثراء. فشن الرومان عليها الحروب المضنية . تكبد فيها الطرفان الكثير من الأرواح والأموال، وهي الحروب التي عرفت في التاريخ بالحروب البونية. بعدها استطاعت روما تحقيق أهدافها بتدمير قرطاجة تدميرا شاملا سنة (146 ق.م.) وأخضع الرومان كل ممتلكات قرطاجة بما فيها المدن الليبية الثلاث طرابلس ولبدة وصبراتة. أما السواحل الشرقية من ليبيا (برقة - قورينائية)، فكانت من نصيب المستعمرين الإغريق .

فهرست

[تحرير] شرق ليبيا الإغريقي

حيث أنشأ المهاجرون الإغريق علي ساحل برقة مستعمراتهم حيث لا تبعد كثيرا عن بلادهم. وبدأ الاستعمار الإغريقي لإقليم قوريني (برقة) في القرن السابع ق . م عندما أسسوا مدينة قوريني ( شحات ) سنة (631 ق . م) وكان باتوس الأول هو أول ملك إغريقي للمدينة، و توارثت أسرته الحكم في قوريني لفترة قرنين . و لم يكن عدد المهاجرين الأوائل الإغريق كبيرا ويقدرون بحوالي مائتي رجل .و في عهد ثالث ملوك الإغريق بقوريني باتوس الثاني نزحت أعداد كبيرة من المهاجرين الإغريق واستقرت في الإقلي . مما جعل الليبيين، يدخلون في حرب مع الإغريق من أجل الدفاع عن وجودهم وأراضيهم التي طردهم المستعمرون منها ومنحوها للمهاجرين الجدد. وعلى الرغم من طول فترة حكم أسرة باتوس الأول إلا أنها لم تشهد الاستقرار بسبب الهجمات التي كانت القبائل الليبية تشنها على المستعمرات الإغريقية في المنطقة الساحلية. ,في عهد أركيسيلاوس الثاني _ رابع ملوك قوريني _ ترك بعض الإغريق مدينة قوريني ليؤسسوا مع الليبيين مدينة برقة (المرج) . ولما ازداد عدد المهاجرين الذين أتوا إلى مدينة قوريني .أرسلت تلك المدينة بعضا منهم لإنشاء بعض المحلات ( المساكن) القريبة من الشاطىءالتي كانت من بينها المحلة التي أنشئت مكانها طوخيرة (توكرة). وأسست مستعمرة أخرى هي مدينة يوهسيبريديس (بنغازي). وكما كان لقوريني ميناء أبولونيا (سوسة)، فإن مدينة برقة هي الأخرى أنشأت ميناء لها في موقع بطولميس (طلميثة) .وعندما احتل الفرس مصر، بعث ملك قوريني سفارة إلى الملك الفارسي معلنا خضوع إقليم قورينائية . واستمرت تبعية الإقليم لمصر وواليها الفارسي وان كانت في الغالب تبعية اسمية. وفي 440 ق.م. قتل أركيسيلاوس الرابع، آخر ملوك أسرة باتوس، في يوهسيبريديس، وأصبحت قورينائية تضم مدنا مستقلة عن بعضها البعض وعانى الإقليم من الاضطرابات السياسية، وازدياد خطر هجمات القبائل الليبية و كانت تلك المدن تتصارع فيما بينها إلى أن غزا الإسكندر المقدوني مصر (332 ق .م.) واستولى البطالمة الذين خلفوه في حكم مصر على إقليم قورينائية (332 ق.م.). و ساد به الهدوء النسبي وأصبحت مدن الإقليم تعرف جميعا باسم بنتابوليس، أي أرض المدن الخمس حبث تكون اتحاد إقليمي يضمها ويتمتع بالاستقلال الداخلي. وبقيت قورينائية تحت الحكم البطلمي حتى تنازل عنها لروما سنة (96 ق.م.)


[تحرير] ليبيا الرومانية

وصار الإقليم تحت رعاية مجلس الشيوخ (السينت) بروما وكان مع كريت ولاية رومانية واحدة إلى أن فصلهما الإمبراطور دقلديانوس في نهاية القرن الثالث الميلادي. عند اعتراف الإمبراطور قسطنطين الأول بالمسيحية في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي انتشرت المسبحبة في ليبيا لكنها لم تقض على الوثنية. بمدة قرن ونصف حتى بعد أن جعل الإمبراطور ثيودوسيوس الأول المسيحية الدين الرسمي والأوحد في الإمبراطورية في مرسوم أصدره سنة (392 ق.م.) وهذا أمر لا تختلف فيه ليبيا عن بقية أقاليم الدولة الرومانية. وكان أول أسقف لإقليم برقة سجله التاريخ شخصا يدعى آموناس سنة (260 ق.م.) وحضر أساقفة من مدن البنتابوليس أول مؤتمر مسيحي عالمي. وهو المؤتمر الذي دعا إلى عقده الإمبراطور قسطنطين في مدينة نيقيا سنة (325 م) كان الأسقف سينسيوس القوريني أهم شخصيات الفترة المسيحية في برقة. تولى أسقفية طلميثة وذهب إلى البلاط الإمبراطوري في القسطنطينية على عهد الإمبراطور أركاديوس ليعرض المشاكل التي كانت تواجه الإقليم والتي كان من أهمها الضرائب الفاحشة المفروضة على مدنه والمشكلة الرئيسية التي كانت واجهت الإقليم على أيامه هي الدفاع ضد غزوات القبائل الليبية التي إشتدت حدتها بعد عام (332 ف) حيث قام سكان المدن والمناطق الريفية القريبة بتنظيم حرس محلي للدفاع عن أراضيهم . فالصورة التي أعطاها الأسقف سينسيوس عن الأوضاع في الإقليم دفعت كثيرا من الدارسين إلى القول بأن الحياة في البنتابوليس قد خبت نهائيا في القرن الخامس الميلادي .ولم يكن الأمر يختلف بالنسبة لمدن الساحل الغربي. فبعد زوال الأسرة السيفيرية في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي سادت الإمبراطورية حالة من الفوضى والحروب الأهلية لمدة نصف قرن. وبينما استطاعت الأقاليم الأخرى إستعادة شيء من الأمن والنظام استمرت الاضطرابات تعصف بالشمال الإفريقي الأمر الذي سهل وقوعه في أيدي الوندال حيث عبرت جموع الوندال إلى شمال أفريقيا حوالي سنة (430 ق.م.) واستولت على مدن إقليم طرابلس الذي عاني الخراب والدمار علي أيديهم خراب ودمار في كل مكان يحلون فيه . وعلى الرغم من أن الإمبراطورية الرومانية قد استعادت الإقليم في القرن السادس الميلادي على عهد الإمبراطور جستينيان عندما نجح قائده بلزاريوس في طرد الوندال. لكن ليبيا سواء في إقليم برقة أو في إقليم طرابلس ظلت تعاني من جحافل الوندال وفي هذه الأثناء لاحت في الأفق طلائع الفاتحين العرب المسلمين الذين جاءوا مع الفتح العربي الإسلامي الذي تم في القرن السابع الميلادي. واستطاع العرب بعد فترة قصيرة من قدومهم أن يوطدوا أركان حكمهم وأن ينشروا الأمن في ربوع البلاد.

[تحرير] الليبيون القدماء

لقد رأى هيرودوت أن ليبيا تمتد من حيث تنتهي مصر الغربية. وقد حدد ساحل ليبيا الشمالي بما يلي بحيرة مريوط إلى رأس (سولوجوس) (رأس سبارتل) جنوبي طنجة على المحيط الأطلسي (1). وقد أشار بان المجموعات السكانية التي تقيم على امتداد هذه المنطقة كلها تنتمي إلى أرومة واحدة وهى موزعة على مجموعات من القبائل عدا الأجزاء التي يقيم بها الإغريق و الفينيقيين(2). وقد جعل هيرودوت بحيرة (تريتونيس)-والتي تقع على الأرجح عند خليج قابس-الحد الفاصل بين مجموعتين من الليبيين احدهما تعيش إلى الغرب من البحيرة وتتألف من زراع آلفوا حياة الاستقرار والأخرى تعيش إلى الشرق من البحيرة وتتألف من بدو رعاة(3). ونلاحظ أن (هيرودوت) لم يفرق بين هذه المجموعات الليبية من حيث الجنس وإنما من حيث اختلاف نوع حياة كل منهما عن الأخرى. ويبدو بوضوح أن هذا التمييز جعل العلماء المحدثون يقسمون أيضا الليبيون القدماء إلى مجموعتين : ليبيون شرقيون وليبيون غربيون(4). ولم تقتصر ليبيا لدى(هيرودوت)على المنطقة الساحلية فقط بل انه ضم إليها الواحات والصحراء. وقد أشار إلى ذلك بكل وضوح في الكثير من فقرات كتابه الرابع حيث يقول: "لقد تحدثت في السابق عن الليبيين الرعاة الذين يسكنون على ساحل البحر ولكن أسفل هذه المناطق توجد مناطق ترتادها الوحوش المفترسة. وأسفل المنطقة السابقة يوجد شريط رملي يمتد من طيبة في مصر حتى أعمدة هرقل مضيق جبل طارق. وتقع على هذا الشريط الرملي روابي تحيط بها الرمال ويتوسط كل واحدة نبع يقذف ماءا باردا عذبا. وحول هذه الروابي يقيم السكان مضاربهم(5). وقد أشار(هيرودوت)إلى أن هذه الروابى كثيرة وتبعد عن بعضها البعـض مسيرة عــشرة أيام. ومما لاشــك فــيه أن الروابي التي يقصدها هي الواحات الكثيرة التي تنتشر على طول المنطقة الداخلية من ليبيا. وبالفعل فقد ذكر(هيرودوت)البعض من هذه الواحات مثل : واحة (الآمونيين) ويعنى بهم الذين يعبدون الإله(أمون) وهـم سكان واحة سيوه. ثـم ذكــر سكان واحة أوجلة وواحات الجرامنت(6). وقد أشار( هيرودوت ) بان خلف هذا الشريط الرملي الذي يضم العديد من الواحات توجد الأجزاء الجنوبية والداخلية من ليبيا والتي هي صحراء حيث لا يوجد بها لا الماء ولا الحيوانات ولا المطر ولا الأشجار ولا أي اثر لحياة بشرية(7). وعليه نستطيع أن نعمم اسم ليبيا والليبيون القدماء على كل شمال إفريقيا و الصحراء الكبرى. ويطلق على هذه المنطقة اليوم اسم المغرب العربي وتنقسم إلى خمسة أقطار وهى : ليبيا و تونس و الجزائر و المغرب و موريتانيا. وتسهيلا لدراسة هذه المنطقة خلال عصورها التاريخية القديمة أطلقنا عليها اسم المغرب القديم. والجدير بالذكر أن العلامة ابن خلدون في كتابه العبر وديوان المبتدأ والخبر قد سبقنا إلى إطلاق هذا الاسم على هذه المنطقة منذ أكثر من سبعة قرون مضت(8) وبالتالي فان ليبيا و الليبيون القدماء هي نفسها المغرب القديم وسكان المغرب القديم ولذلك فإننا عندما نتحدث عن الليبيين القدماء فإننا نقصد الحديث عن منطقة المغرب القديم وعن سكان المغرب القديم في العصور القديمة. يمكن التعرف على الليبيين القدماء من خلال قسمين من المصادر الأثرية والتاريخية : المصادر المصرية القديمة التي تمتد منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى مجئ الإغريق إلى منطقة الجبل الأخضر وما حوله في القرن السابع قبل الميلاد والمصادر الإغريقية والرومانية والبيزنطية التي تمتد منذ مجيء الإغريق، وحتى الفتح الإسلامي العربي في القرن السابع الميلادي ونلاحظ من خلال هذه المصادر -خاصة المصادر الأولى- أنها كتبت من جانب واحد وهو الجانب غير الليبي وهى بذلك لا تخلو من مبالغة وتحيز خاصة أن الحفريات الأثرية في الفترة الأولى وهى الفترة ذات العلاقة بالمصريين القدماء لم تمدنا بمعلومات ذات قيمة نستطيع من خلالها كتابة تاريخ متسلسل لهذه المنطقة في حين أن المصادر الثانية وهى المصادر الإغريقية والرومانية رغم أنها هي الأخرى كانت من الجانب الإغريقي والروماني فقط إلا أن الحفريات الأثرية أثبتت الكثير من القضايا الهامة من تاريخ هذه المنطقة في تلك الفترة.

[تحرير] أولا- المصادر المصرية القديمة

يمكن تقسيم المصادر المصرية القديمة حسب مراحل تاريخ منطقة وادي النيل في العصور القديمة إلى عدة أقسام وهى :

  أ-وثائق ما قبل الأسرات وبداية الأسرات

نلاحظ على هذه المصادر أنها عبارة على مناظر عامة منقوشة لا تصطحبها نصوص كتابية لأن الكتابة الهيروغليفية في ذلك الوقت لم تكتمل عناصرها بعد وهذه المصادر هي:

 1 -مقبض سكين جبل العرق: 

عثر على هذا المقبض تجاه نجع حمادي بالصحراء الشرقية.تمثل الرسومات التي على هذا المقبض رجال لهم خصلة مـن الشعر على شكــل ضفيرة ويلبسون كيس العورة وهى صفات يتخذها الباحثون علامات مميزة لليبيين القدماء في ذلك الوقت.1

 2-لوحة الصيد أو ما يعرف بلوحة الأُسود: 

تصور هذه اللوحة عدداً من الرجال يحملون الأقواس والحراب وعصي الرماية وحولهم حيوانات كثيرة للصيد ويزينون شعورهم بالريش ويرتدون كيس العورة ولهم ذيول تتدلى من قمصانهم وكل هذه الصفات اتخذها الباحثون كعلامات لليبيين القدماء وهى من العلامات التي شاهدناها بكثرة في الرسوم الصخرية بالصحراء الكبرى وهى رسوم ترجع لعصور ما قبل التاريخ.2

 3- لوحة التحنو : 

وتعتبر هذه اللوحة أهم الشواهد الأثرية التي تدل على الليبيين القدماء وقد عثر عليها في ابيدوس في مصر العليا وقد استطاع العالم الألماني تاسيتى من خلال هذه اللوحة أن يميز العلامة الهيروغليفية التي تدل على التحنو نجد على أحد وجهي هذه اللوحة رسومات تمثل سبع مدن محصنة متحالفة استطاع أن ينتصر عليها الملك. أما على الوجه الآخر فنجد ثلاثة صفوف تمثل ثيران وحمير وأغنام وأسفلها أشجار زيتون بالقرب منها العلامة الهيروغليفية التي تدل على التحنـو.

 4-لوحة التوحيد: 

لقد ظهر اسم التحنو خلال الأسرة الأولى (3400- 3200 ق.م.) في عهد الملك نعرمر على أسطوانة من العاج تعرف باسم لوحة التوحيد. ويبدو الملك في هذا النقش وهو يضرب مجموعة من الأسرى الجاثمين نقش فوقهم عبارة تحنو باللغة الهيروغليفية ولقد اختلف المؤرخون في تفسير هذه اللوحة فنجد برست د يعبر عنها ب(نعرمر ينتصر على الليبيين) في حين نجد (دريتون) و(جاردنر) يعبر عن هذه اللوحة ب (نعرمر ينتصر ويهزم سكـان الوجه البحري وهو يوحد القطرين). ونلاحظ أن جميع هؤلاء الباحثين على صواب لأن الكثير من العلماء يعتقد أن نعرمر استطاع توحيد منطقة وادي النيل بعد أن طرد منها الليبيين الذين كانوا يقيمون في الوجه البحري والملفت للنظر هنا أنه لا يمكن التمييز بين صور وأشكال أهل الدلتا في هذه اللوحة وبين التحنو أو الليبيون الذين ميزتهم الرسوم المصرية القديمة بأنهم أشخاص ملتحون ويزينون شعورهم بالريش ويرتدون كيس العورة وتتدلى من قمصانهم القصيرة ذيول (9).

 ب-وثائق الدولة القديمة(2900-2280ق.م.): 

يلاحظ على هــذه الوثائق بأنهـا ابتداء مـن الدولة القديمة أصبحت تدون عن طريق الكتابة الهيروغليفية ففي بعض الأحيان تكون النصوص مختصرة وفى أحيان أخرى تكون مفصلة إلى أبعد الحدود ويمكن تقسيمها على النحو الاتى :

1- نص الملك سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة على حجر بالرمو : ويفيد النص أن الملك سنفرو قاد حملة ضد التحنو وأسر منهم 1100 أسير واستولى على 13100 رأس من الماشية والأغنام.

2- نصوص الملك سحورع من الأسرة الخامسة على جدران معبد الملك سحورع: لقد زودتنا هذه النقوش بمعلومات وافية عن التحنو خاصة فيما يتعلق بسماتهم البشرية وملابسهم وبعض الميزات الأخرى التي تذكرنا بصور الليبيين القدماء التي استقيناها من وثائق ما قبل الأسرات وبداية الأسرات.

3-نصوص أونى حاكم الجنوب: يذكر أونى حاكم الجنوب على جدران مقبرته في أبيدوس بأنه قاد جيشا ضد بدو آسيا في عهد الملك بيبى الأول (الأسرة السادسة) وكان يتكون الجيش من العديد من سكان الجنوب ومنهم سكان بلاد التمحو ويبدو أن هذه الإشارة أول ذكر لقبائل التمحو.

4-نصوص حرخوف حاكم وقائد القوافل في الجنوب (الأسرة السادسة): لقد وصف حرخوف من خلال النصوص التي تركها على جدران مقبرته في الفنهي:رحلاته إلى إقليم يام في النوبة وأنه تقدم حتى وصل بلاد التمحو التي تقع في الجنوب الغربي من النيل.

  ج- وثائق الدولة الوسطى ( 2060 -1785 ق.م.)

لم تكن الوثائق التي تتحدث عن الليبيين خلال هذه الدولة كثيرة وإن وجدت، فيشوبها بعض الغموض وأهم وثائق هذه الدولة التي تتعلق بالليبيين هي :

1-حكاية سنوهى، وهو أحــد رجال البلاط في عهد الملــك منتوحتب الأول (1991-1961قبل الميلاد): لقد ذكر سنوهى أن سنوسرت ابن الملك منتوحتب الأول خاض حربا ضد التمحـو ويرى المؤرخون أن هــذه الحرب توجت بالنصر والدليل على ذلك مــا ذكــره(ديودورس الصقلي) بأن سنوسرت الأول قد أخضع الشق الأكبر من ليبيا (10).

2- مخلفات المجموعة السكانية التي يطلق عليها المجموعة ج : لقد عاصرت هذه المجموعة السكانية الدولة الوسطى وقد ألقت المخلفات التي تعود لهذه المجموعة بعض الضوء عن العلاقات التي كانت بين الليبيين وجنوب منطقة وادي النيل. ويرى بعض العلماء في هذه المجموعة السكانية بأنها فرع جنوبي للتمحو أو كليبيين جنوبيين.

 د--وثائقالدولة الحديثة (1580 -1085 ق.م.):

لقد خلفت لنا الدولة الحديثة أكبر قدر من الوثائق التي تتمثل في النقوش والصور، والتي من خلالها تعرفنا على مجموعات كثيرة من الليبيين قبل هيرودوت أي خلال القرنين الثالث عشر والثاني عشر ق.م ويمكن تلخيص هذه الوثائق الكثيرة على النحو الآتي : 1-وثائق مقابر طيبة في عهد الملكة حتشبسوت والملك تحتمس الثالث لقد احتفظت لنا بعض مقابر طيبة في الفترة مابين 1490 - 1447 ق.م بصور تمثل تسديد الجزية التي قدمت من بعض القبائل الليبية في الواحات البحرية.

2-رسومات معبد الكرنك: وهي تعود إلى عهد الملك سيتى الأول والتي تشير إلى هجمات خطيرة قامت بها قبائل التحنو وقد تم الإشارة إلى مثل هذه الهجمات أيضاً في عهد رعميس الثاني من خلال نقشين عثر على أحدهما في معبد بيت الوالي والآخر في معبد أبى سمبل والنقشان يتحدثان عن صد هجمات قبائل التحنو لقد شكك بعض الباحثين في حقيقة هذه الهجمات الخطيرة التي قامت بها قبائل التحنو، وصدها من قبل ملوك سكان منطقة وادي النيل وقد رأى هؤلاء الباحثين في هذه الرسومات مجرد تكرار وزخرفة للمعابد الفرعونية عن طريق إحداث سابقة مرت منذ زمن بعيد (11).

3-نقوش مسلات رعمسيس الثاني التي اكتشفت في مدينة تانيس: تشير هذه النقوش إلى استعانة رعمبسيس الثاني بوحدات عسكرية ليبية تم ضمها للجيش المصري.

4 -نقوش معبد الكرنك وعمود القاهرة ولوحة اتريب وأنشودة النصر: هذه المصادر الأربعة تحدثت جميعها -كما يرى بعض الباحثين- عن انتصار الملك مرنبتاح (الأسرة التاسعة عشر ) على التحالف الذي يضم كل من الليبو والقهق والمشوش مع شعوب البحر التي تتمثل في خمسة أقوام وهم ( الأقاواشا) و(التورشا) و(الشردان) و(اللوكا) و(الشكلش). ويرى فيهم الباحثون على الترتيب (الآخيين) و(الاترسكيين) و(السردينين) و(اللوكيين)و(الصقليين)(12) وقد توجه هؤلاء جميعا نحو الدلتا لاحتلالها لغرض الاستقرار بها وكان يقودهم في هذا الهجوم زعيم قبيلة الليبو مرى بن أدد.

5-بردية هاريس الكبرى: وهي بردية يصل طولها أكثر من أربعين متر وعرضها حوالي 42 سنتمتر، تتحدث هذه البردية عن هجوم قبائل الليبو على منطقة الدلتا ويفهم من خلال هذا النص أن السبب في هذا الهجوم أن الفرعون أراد أن يفرض على الليبيين ملكا منهم رباه في قصره ولكن الليبيين رفضوا هذا الحاكم لأنهم رأوا فيه الفرعون نفسه.

6- نقوش ولوحات معبد رمسيس الثالث الجنائزي بمدينة هابو الواقعة في طيبة الغربية: تتحدث هذه اللوحات والنقوش عن هجوم قامت به قبيلة المشوش ضد منطقة وادي النيل وقاد هذا الهجوم زعيم المشوش كبر وابنه مششر وتعتبر بردية هاريس ونقوش ولوحات معبد هابو التي دونت في عهد رمسيس الثالث آخر الوثائق الهامة التي تتحدث عن القبائل الليبية القديمة التي احتكت بمنطقة وادي النيل في العصور القديمة.

[تحرير] الليبيون القدماء من خلال المصادر المصرية القديمة

نستطيع من خلال سردنا للمصادر المصرية القديمة أن نقسم المجموعات الليبية القديمة التي وردت بهذه النصوص، حسب تسلسلها التاريخي إلى الجماعات الآتية:

  • 1-التحنو: تقع بلاد التحنو إلى الغرب من مجرى وادي النيل لأنها تذكر دائما في النصوص المختلفة عندما تذكر أسماء البلاد التي تقع إلى الغرب من مصر ويرى الدكتور أحمد فخري -استنادا على أراء علماء آخرين- بأن بلاد التحنو كانت تمثل الفيوم والواحات ووادي النطرون وبرقة. وقد رأى (فرانسوا شامو) بأن بلاد التحنو تشمل كل المناطق الواقعة غربي وادي النيل بما في ذلك الأقاليم الجنوبية(13). ونلاحظ أنه ابتداء من الأسرة الخامسة من الدولة القديمة وحتى الأسرة الثامنة عشرة أصبحت كلمة تحنو تدل على ليبيا والليبيين القدماء عامة(14). ويرى العالم الألماني (هولشر) بأن قبائل التحنو كانت تعيش في دلتا النيل ثم طردهم مـن هــذا الإقــليم الخصيب ملــوك منطقــة الوجه البحري،عندما تم توحيده مع منطقة الوجه القبلي(15). ويبدو أن هذا الأمر صحيحا، ومما يؤيد ذلك ما ذهب إليه (جاردنر) من أن صور التحنو تظهر في النقوش المصرية القديمة وكأن بينهم وبـين المصريين القدماء قــرابة وثيقة، وتتضح هــذه القــرابة من خلال ملابسهم التي تتفق تماما مع الملابس المصرية حيث كانوا يعلقون بهذه الملابس ذيولاً مثل التي كــان الفراعنة يعلقونها ويحلون جباههم بخصلة مــن الشعر تحاكى صورة الصل المقدس عند ملوك الفراعنة وتبدو هذه القرابة واضحة أيضاً من خلال سماتهم البشرية، حيث كانوا سمراً مثلهم مثل المصريين كما كانوا يختتنون مثلهم كذلك وكانوا يضعون قرابا لستر العورة مثلهم مثل المصريين في عصور ما قبل التاريخ ومن هذه القرائن المختلفة توصل بعض العلماء إلى أن المصريين القدماء يرجع أصلهم إلى الليبيين القدماء حيث يؤكد هؤلاء العلماء بأن المصريين وفدوا على وادي النيل منذ وقت مبكر بوصفهم صيادون ورعاة ماشية ثم أصبحوا فيما بعد زراع مستقرون، وبدون شك إن المقصود هنا بالليبيين القدماء هم سكان الصحراء الكبرى، الذين وصلوا في فترة العصر الحجري الحديث إلى مرحلة حضارية متقدمة، وقد أشرنا فيما قبل إلى أن الفضل يرجع إليهم في انتقال الرعي والزراعة نحو وادي النيل في البداية ثم فيما بعد إلى بقية شمال إفريقيا.
  • 2-التمحو: يرى (جاردنر) أن بلاد التمحو تمتد على الحدود الغربية لمصر حتى طرابلس غرباً والنوبة جنوبا في حين يرى أحمد فخري بأن التمحو كانوا قد تمركزوا في نفس موطن التحنو بعد أن سيطروا عليهم بالإضافة إلى سيطرتهم على الواحات ذات الأرض الخصبة المنتشرة إلى الغرب من وادي النيل ويرى أنهم انتشروا جنوبا حتى دار فور(16). أما عن أصل التمحو فقد ظهرت في هذا الموضوع نظريتان : يرى أصحاب النظرية الأولى بأن التمحو جاءوا مهاجرين من قا2رة أوروبا إلى شمال إفريقيا ثم توغلوا إلى الجنوب ويروا بأنهم ينحدرون من قبائل الوندال أو أي جنس شمالي آخر ويستند أصحاب هذه النظرية كدليل على ذلك من خلال السمات التي يمتاز بها التمحو عن بقية الليبيين مثل : الشعر الأصفر والعيون الزرقاء والبشـرة البيضاء ولكن هذه النظرية لا تستقيم مع ما أثبتناه أعلاه من وجود هذه المجموعة السكانية ذات الشعر الأصفر والبشرة البيضاء في الصحراء الكبرى منذ الألف السادسة قبل الميلاد وتتعارض مع ما أكدت عليه البحوث الأثرية عن عدم استعمال الإنسان للبحر قبل الألف الخامسة قبل الميلاد، بالإضافة إلى عدم وجود أيــة قرائن تـفيد بأن المجموعات السكانية الأوروبيـة وصلـت منطـقة الـصحراء الكبرى كمهاجرين في أي فترة من فترات التاريخ القديم، والجدير بالذكر أن أول اتصال أوروبي بمنطقة شمال إفريقيا كان في حدود نهاية الألف الثانية قبل الميلاد مع وصول المجموعات المعروفة باسم شعوب البحر الذين حاولوا الاستيطان في منطقة وادي النيل وكما هو معروف لدى الجميع فان تلك المحاولة لم يصادفها النجاح على كل حال أما أصحاب النظرية الثانية فيروا بأن التمحو هم مواطنون إفريقيون سلكوا طريقهم من الجنوب الغربي من الصحراء متجهين نحو الشمال والشمال الشرقي ويرى بعض العلماء بأن القوم الذين أطلق عليهم العلماء اسم المجموعة (ج)، والذين عثر على آثارهم بمنطقة النوبة هــم فرع من التمحو وإنهم ليبيون. ويشير(اوريك بيتس)(17) بأن مخلفاتهم تتفق ومخلفات الليبيين القدماء حيث يذكر بعض الأدلة التي تثبت هذه الصلة والتي من بينها :

أ- لا تختلف جماجم وشعور المجموعة (ج)عن جماجم جنس البحر المتوسط،الذين منهم الليبيون القدماء بصفة عامة ومجموعة التمحو بصفة خاصة.

ب- لقد اتبع أصحاب المجموعة(ج)طريقة للدفن،ونمط لبناء المقابر الدائرية،هي نفسها التي عرفت لدى سكان الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا والتي عرفت باسم الرجم.

ج- تصور الرسومات المنقوشة رجال المجموعة (ج)وهم يرتدون ملابس على شكل أشرطة تتقاطع على الصدر والريشة على الرأس وهى نفسها التي كانت تميز الليبيين القدماء الذين تعرفنا عليهم من خلال الوثائق المصرية القديمة في فترة ما قبل الأسرات وبداية الأسرات وهى سمات عرفت قبل ذلك لدى سكان الصحراء الكبرى.

د- يستعمل رجال المجموعة (ج) سلاح السهم والقوس وهى من الأسلحة التي عرفت في الصحراء الكبرى قبل أن تعرف لدى أهل النوبة.

هـ- يؤيد انتماء سكان المجموعة (ج) للتمحو ما عثر عليه مـن فخار وقبور في وادي هـور الذي يقع على بعد 400 كيلومتر جنوب غربي الشلال الثالث ومن خلال المقارنة اتضح أن هذا الفخار يشبه فخار المجموعة (ج). والجدير بالذكر أن هذا الفخار وجد عند طريق هجرة التمحو من موطنهم الأصلي الذي يراه معظم الباحثين بأنه منطقة الصحراء الكبرى قبل أن يحل بهــا الجفـاف (18). وبناء على كل ذلـك يمكن الاستنتاج، بأن التمحو، وسكان المجموعة (ج)، وسكان وادي هور كلــهم جاءوا من الصحراء الكبرى بعد أن حل بها الجفاف.

  • 3 الليبو أو الريبو: يرى معظم العلماء أن الليبو أو الريبو كانوا يسكنون منطقة برقة الحالية وربما كانت أراضيهم تمتد نحو الشرق حتى منطقة الواحات، وخاصة واحة سيوه ويرجح أن مجموعتي القهق والإسبت كانتا تعيشان في نفس المنطقة التي تسيطر عليها مجموعات الليبو أو الريبو(19)، وأقدم ذكر لمجموعات الليبو أو الريبو كان في عهد رمسيس الثاني ومنذ ذلك التاريخ بدأت هذه المجموعات تقوم بدور هام في تاريخ الصراع بين مصر القديمة والقبائل الليبية القديمة حيث اشتركوا كقادة في الحروب التي قامت ضد الملكمرنبتاح واشتركوا أيضاً في الحروب التي دارت ضد رمسيس الثالث. ونعتقد أن اسم الليبو أصبح منذ بداية الفترة المتأخرة من تاريخ مصر القديم علماً على كل المنطقة التي تقع إلى الغرب من منطقة وادي النيل وبالتالي اختفت أسماء بقية المجموعات الأخرى وبناء على كل ذلك أصبح هذا الاسم يعنى لدى الإغريق تارة كل المجموعات السكانية التي تقع إلى الغرب من مصر حتى خليج سرت وتارة أخرى كل شمال أفريقيا وفى بعض الأحيان القارة الإفريقية بكاملها ومما يؤيد بروز اسم الليبو واختفاء بقية الأسماء تلك اللوحة التي عثر عليها منذ مدة والتي تعود لعهد الملك شيشنق وهى تتضمن أسماء الأقوام الليبية وهى لوحة يطلق عليها اسم (لوحة الأقوام التسعة) ويبدو من خلال هذه اللوحة أن الريبو أو الليبو حلت محل الاسم التقليدي السابق الذي عرفت به القبائل الليبية وهو التحنو ونجد وثيقة أخرى تشير إلى الليبو كتسمية عامة لكل المنطقة التي تقع إلى الغرب من مصر، وهى وثيقة تعود لعهد الملك شيشــنق الرابـع (763-757قبل الميلاد) وتشير إلى شخصية ليبية مرمـوقة تدعـى حيتيحنكر وقد وصفتها تلك الوثيقة بكبير الليبو ويبدو من خلال هذه الوثائق أن المنطقة ظلت تعرف باسم الليبو طيلة الفترة التي تلي الدولة الحديثة من تاريخ مصر القديم ونعتقد أنه لهذا السبب أطلق الإغريق على المنطقة التي استعمروها بالجبل الأخضر اسم ليبيا وذلك راجع إلى أنها الجزء الوحيد المألوف لديهم من منطقة شمال إفريقيا(20).
  • 4-المشوش: يرجح الباحثون أن المشوش سكنوا المناطق الشمالية من الصحراء الليبية ويرى البعض أن ديارهم كانت تمتد غربا حتى المناطق التي تمثل تونس الحالية وقد رأى بعض العلماء بأن المشوش هم أنفسهم المكسيس الذين أشار إليهم (هيرودوت)(21) بأنهم يقيمون إلى الغرب من بحيرة تريتونيس ولكن مع بداية الأسرة الثامنة عشرة المصرية بدأ المشوش يتجمعون حول حدود مصر الغربية طلباً للإقامة الدائمة حول دلتا وادي النيل ومن خلال الرجوع إلى الوثائق التي تشير إلى الحروب التي دارت بينهم وبين المصريين يتضح أن المشوش كانوا يرغبون الاستيطان في مصر وقد صرحوا بذلك بأنفسهم (22) ورغم أنهم وحلفاءهم الليبو فشلوا في الوصول إلى دلتا النيل عن طريق الحرب إلا أنهم استطاعوا الاستقرار في الكثير من مناطق مصر سواء في حاميات الحدود أو بانضمامهم إلى الجيش كجنود مرتزقة (23). وقد كان الجيش المصري ابتداءً من الأسرة العشرين يتكون من الليبيين دون سواهم وقد كان ملوك مصر في ذلك الوقت يقدمون لهؤلاء الجنود هبات من الأرض كأجور لهم مما أدى إلى تكون جاليات عسكرية كانت القيادة فيها لليبيين دون سواهم وقد وصل بعض العناصر من المشوش -كما مر بنا – إلى مناصب هامة في البلاط الملكي وإلى مراكز القيادة في الجيش وأن بعضهم -مثل شيشنق- استطاع أن يتولى الحكم في بعض مناطق مصر حيث جمع بين يديه السلطتين المدنية والدينية وهكذا وبسهولة تامة استطاع شيشنق أن يستولى على الحكم في مصر بمجرد وفاة آخر ملوك الأســرة الواحدة والعشرين وبالتالي استطاع المشوش تكوين الأسرة الثانية والعشرين التي حكمت مصر قرابة قرنين من الزمان(24).

لقد كانت قبائل التحنو و التمحو و الليبو والمشوش من القبائل الليبية الكبيرة، الواسعة الانتشار والتي لعبت دورا بارزا في تطورات الأحداث في ذلك الوقت. ولذلك نجدها ترد في النصوص المصرية القديمة بشي من التفصيل. في حين وردت في هذه النصوص أسماء قبائــل أخرى كـمجرد شارات بسيطــة ربما لعدم تأثير هــذه القبائل في الأوضاع السائدة في المنطقة في ذلك الوقت أو ربما لكون هذه القبائل كانت تابعة لإحدى القبائل الكبرى السابقة أو لوجود أراضيها ضمن أراضى قبيلة أخرى كبيرة. ونذكر من بين تلك المجموعات السكانية الصغيرة قبائل: الأسبت والقبت والثكتن والبقن والكيكش والسبد والقهق.

[تحرير] ثانيا المصادر الإغريقية والرومانية والبيزنطية

تمتد هذه المجموعة من المصادر منذ مجيء الإغريق إلى إقليم قورينائية وحتى الفتح العربي الإسلامي للمنطقة في القرن السابع الميلادي لقد تناول تاريخ ليبيا في هذه الفترة الكثير من الكتاب والمؤرخين والجغرافيين والفلاسفة. وسوف نعطى بعض المعلومات عن كتابات هؤلاء من خلال اتجاهاتهم العلمية المختلفة. ولذلك اختلفت أهمية هذه المعلومات التي طرحوها حول تاريخ هذا البلد باختلاف تخصصاتهم ومن أشهر هؤلاء:

 1هيرودوت ( 484 -424 ق.م. ) وكتابه التاريخ:

يعرف الكتاب الرابع من هذا المصنف باسم الكتاب الليبي وقد تحدث في هذا الكتاب عن القبائل الليبية المتواجدة على المنطقة الممتدة من غرب منطقة وادي النيل وحتى سواحل المحيط الأطلسي بالإضافة إلى حديثه عن قورينا وشقيقاتها وبعض حوادث تاريخها.

 2 بلينى الاكبر' (23 -79 م. ) وكتابه التاريخ الطبيعي: 

لقد تحدث بليني عن ليبيا في الكثير من فقرات كتابه خاصة في الكتاب الخامس والثالث عشــر والتاسع عشــــر والثاني والعشرين وقد تحدث حديث مفصل عن نبات السيلفيوم الشهير الذي يشار إليه باسم الذهب الأخضر.

 3 ديودوروس الصقلي( 40 م.)وكتابه المكتبة التاريخية: 

لقد تحدث(ديودوروس الصقلي)في الفقرة 49 من كتابه الثالث عن ليبيا والقبائل الليبية،وعن الكثير من الظواهر الطبيعية،خاصة الغريبة منها.وقد كان(ديودوروس الصقلي) يميل إلى التحدث عن الشعوب التي جعلها موضوع تاريخه عن الجوانب الطريفة والغريبة المغلفة بالأساطير الغامضة ولذلك تختلط عنده الحقائق بالخيال اختلاطا شديدا ولكن رغم ذلك يعتبر(ديودوروس الصقلي) كاتبا ومؤرخا عظيما(25).

 4 بروكوبيوس القيصري وكتابيه العمائر والحروب: 

ولد(بروكوبيوس)في قيصرية بفلسطين في نهاية القرن الخامس الميلادي وتوفى في عام 562م وقد تحدث في كتابه العمائر عن أهم المنشآت المعمارية التي شيدت في عهد الإمبراطور (جستنيان)(527-565م.) وقد أشار في هذا الكتاب إلى بعض المنشآت التي شيدت في المدن الثلاث (لبدة أويا(طرابلس) صبراتة). وقد تحدث في كتابه الحروب عن الحملات الحربية التي شنت في عهد الإمبراطور(جستنيان)في فارس وأوروبا وشمال إفريقيا(545-554م.)وقد أشار أيضاً في هذا الكتاب إلى بعض الثورات التي شنها سكان المناطق الغربية من ليبيا ضد الوندال.

5 فلافيوس كريسكونيوس كوريبوس(القرن السادس الميلادي): 

وهو مؤرخ أكثر منه كاتب ملاحم ينسب إلى (كوريبوس) ملحمتين شعريتين: الأولى حول الحرب الليبية الرومانية والتي دارت أحداثها في الفترة ما بين 546 -548 م. والثانية في مدح الإمبراطور (جوستين الثاني) خلال عامي 566 و567 م. ينتسب الشاعر (كوريبوس) إلى منطقة المغرب القديم من حيث الأصل والمولد ويفهم ذلك من خلال لقبه الإفريقي ويعتبر عمله الأول الحرب الليبية الرومانية أهم مصدر تاريخي عن منطقة المغرب القديم خلال القرن السادس الميلادي وذلك لسرده وقائع تاريخية ثابتة حول الحملة البيزنطية ضد الوندال حين قرر الإمبراطور(جستنيان)(527-565م.) إعادة استعمار منطقة المغرب القديم من جديد، ورغم أن هذه الملحمة ليست كلهـا حقائق تاريخية بل تحتوى على الكثير من الخرافات والمبالغات إلا أنها تعتبر أهم مصدر بعد(هيرودوت) و(بروكوبيوس) حول القبائل الليبية حيت أشار(كوريبوس) من خلالها إلى خصائص هذه القبائل وعاداتها وأماكن تواجدها ووسائل حروبها وتقاليدها المعيشية والاجتماعية(26).

إن هذه المصادر الكتابية التي دونت من قبل كتاب إغريق و رومان و بيزنطيين، كـانت هي الأخرى من جانب واحد إلا أن هذه المصادر دعمت أراء هؤلاء المؤرخين عن طريق المكتشفات الأثرية التي عثر عليها حديثاً، كالنقوش الكتابية، وبعض بقايا الإنسان خاصة البقايا الفنية كالعمارة والنحت والفخار.

ومن خلال هذه المصادر جميعها يمكننا الحديث عن الليبيين القدماء بشي من الإختصار. وسوف يكون تركيزنا عن أصول وتحركات هذه المجموعات السكانية منذ بداية العصور التاريخية،وحتى نهاية العصور القديمة.

[تحرير] الليبيون القدماء من خلال المصادر الإغريقية والرومانية والبيزنطية

أمدتنا المصادر الإغريقية والرومانية والبيزنطية بالكثير من المعلومات حول الجماعات الليبية القديمة التي كانت تعيش في المنطقة المعروفة قديما باسم ليبيا بمعناها الواسع وقــد استقينا معلوماتنا هــذه مــن خلال ما تركه هؤلاء الكتاب مــن أخبار معظمها كانت خليطاً بين الحقائق والأساطير وكان على رأس هؤلاء الكتاب (هيرودوت) القرن الخامس قبل الميلاد و(سكيلاكس) القرن الرابع قبل الميلاد و(سالوست) القرن الأول قبل الميلاد و(استرابون) و(ديودورس الصقلي) و(بليني الأكبر) القرن الأول الميلادي و(بطلميوس الجغرافي)القرن الثاني الميلادي و(بروكوبيوس القيصري) و(كوريبوس) القرن السادس الميلادي وسوف نتتبع أسماء أهم القبائل الليبية عند هؤلاء الكُتّاب منذ أيام (هيرودوت) إلى ما قبل الفتح الإسلامي بقليل وهى :

  • 1-الادروماخيداى: أول إشارة وصلتنا عن هذه القبيلة كانت عن طريق (هيرودوت) حيث ذكر بأنها تقيم قريبا جدا من مصر وقد أخذ سكان هذه القبيلة عن المصريين أغلب عاداتهم باستثناء ملابسهم التي كانت لا تختلف عن بقية الليبيين(27) ولم يأت (سكيلاكس) الذي جــاء بعد (هيرودوت)بجديد عـــن سكان هذه القبيلة حيث أكــد بأن الصفة المصرية لا تزال غالبة عليهم (28). وفى القرن الأول الميلادي والثاني الميلادي أشار إلى هذه القبيلة كل من (استرايون )و(بليني الأكبر ) و(بطلميوس) ولكن هؤلاء جميعاً أشاروا إلى هذه القبيلة باختصار شديد.
  • 2- الجليجاماى : يقول هيرودوت بأن أراضى هذه القبيلة تلي قبيلة الإدروماخيداى مباشرة وتمتد نحو الشرق حتى جزيرة إفروديسياس (جزيرة كرسة) إلى الغرب من مدينة درنة الحالية. ويشير (هيرودوت) بأن أرض السيلفيوم تبدأ من أرض هذه القبيلة وحتى مدخل خليج سرت(29). لقد اختفى اسم هذه القبيلة عند كل الكّتاب اللاحقين ويبدوا أنها لم تكن من القبائل الكبرى ولذلك غفل عن ذكرها هؤلاء الكّتاب.
  • 3 الأسبوستاى : لقد أشار (هيرودوت ) إلى هذه القبيلة حيث ذكر بأن أراضيهم تقع إلى الغرب من قبيلة الجليجاماى إلى الداخل من مدينة قورينا لأن المناطق الساحلية يسيطر عليها القورنائيين. وقد أشار بأن الاسبوستاى يشتهرون بالعربات التي تجر بواسطة أربعة من الخيل (30) لقد ورد أسم هذه القبيلة أيضاً لدى (استرابون) وبطليموس في حين لم ترد لدى بقية الكُتّاب.
  • 4-المارماريداى : أول إشارة عن هذه القبيلة كانت عند (سكيلاكس) الذي أشار بان أراضى الماماريداى تقع إلى الغرب من قبيلة الادروماخيداى وهى تضم كل الاراضى الداخلية لمدينة برقة(المرج) وتمتد نحو الغرب حتى تقترب من خليج سرت(31). ويبدو أن أراضى هذه القبيلة ازدادت اتساعاً في العصر الروماني حيث امتدت نحو الشرق حتى وصلت مرسى مطروح ونجد إشارة صريحة لهذا التوسع من خلال ما ذكره(بليني الأكبر) من أن المجموعات السكانية التي تقيم في المنطقة الممتدة من بارايتوم (مرسى مطروح)وحتى سرت الكبير هم المارماريداى (32). ورغم أن اسم المارماريداى ظهر لأول مرة عند(سكيلاكس) إلا أنه ظل حيا حتى قبيل الفتح الإسلامي للمنطقة فقد ذكرت هذه القبيلة لدى معظم الكتاب الكلاسيكيين مثـل: (استرابون)و(ديودوروس الصقلي) و (بليني الأكبر) و(بطليموس) وربما بسبب شهرة هذه القبيلة سميت المنطقة فيما بعد باسم مارماريكا(33).
  • 5-الاوسخيساى : يشير هيرودوت بان أراضى قبيلة الاوسخيساى تقع عند المناطق الداخلية من مدينة برقة(المرج) وتمتد نحو الغرب حتى تتصل بالشاطئ عند مدينة يوسبيريدس(بنغازي). ويشير هيرودوت بأن عند منتصف أراضى هذه القبيلة تقـــع أراضى قبيلة البكاليس الصغيرة التي تتصل أراضيها بالبحر عند مدينة توخيرا(توكرة)(34). ويبدو أن قبيلة الاوسخيساى لم تكن ذات أهمية كبيرة بالمقارنة مع القبائل السابقة ولذلك لم يرد ذكرها لدى معظم الكتاب الكلاسيكيين ما عدا(ديودوروس الصقلي)الذي أشار إليها إشارة عابرة(35).
  • 6-النسامونيس: لقد أشار(هيرودوت) بأن موطن النسامونيس يقع إلى الغرب من موطن الاوسخيساى دون أن يحدد إلى أي مدى يمتد موطنهم نحو الغرب. ونجد في المقابل يوضح (سكيلاكس) بأن موطن هذه القبيلة يمتد نحو الغرب حتى يصل مذبح الأخوين(فيلاينى) ويذكر(هيرودوت)بأن النسامونيس متعودون ترك قطعانهم في الصيف بجوار البحر ويصعدون نحو موقع يقــال له أوجلة ليجنوا التمر مــن النخيل الذي ينمو هناك بكثرة(36). لقد كانت قبيلة النسامونيس موجودة بموطنها حول خليج سرت طوال العصور القديمة حيث ورد ذكرها لدى(هيرودوت)و(سكيلاكس)و (استرابون) و (ديودوروس الصقلي) و (بليني الأكبر) و (بطليموس) وغيرهم. وكان الرومان يحسبون ألف حساب لقبيلة النسامونيس القوية التي تتمركز حول خليج سرت وقد كان النسامونيس يضايقون الرومان بالتعرض لطرق التجارة بالدواخل ومهاجمة السفن وإغراقها عند السواحل(37). وبالتالي أصبحت المنطقة تمثل أكبر خوف للمصالح التجارية الرومانية وهذا الأمر أدى بالرومان إلى توجيه حملة خلال حكم الإمبراطور(دومتيان) استهدفت القضاء على سيطرة النسامونيس من جهة ومن جهة أخرى استهدفت إلزام النسامونيس بعدم ترك مواطنهم الدائمة وذلك تسهيلا لمهمة جباة الضرائب من الرومان(38) بالإضافة إلى تسهيل مراقبتهم في مكان ثابت ومعروف.
  • 7-المكاى : تقع أرض المكاى إلى الغرب من قبيلة النسامونيس وتنتهي عند نهر(كينيبس)(وادي كعام). ويشير(هيرودوت) بأن نهر (كينيبس) يجرى عبر أراضيهم نحو البحر في الشمال وأن هذا النهر يأتي من تل يدعى تل الحسان، وهو عبارة عن غابة كثيفة وهى على عكس بقية ليبيا التي تحدث عنها والخالية من الأشجار وتبعد هذه المنطقة عن ساحل البحر بمائتي فرسخ(39). والجدير بالذكر أن هذه المنطقة كانت قد أغرت أحد المغامرين الإغريق في تأسيس مستوطنة عليها وقد كان ذلك على يد(دوريوس) بن ملك إسبارطة، عندما نزل في حملة بحرية في عام 520 قبل الميلاد عند مصب نهر كينيبس (وادي كعام) لتأسيس تلك المستعمرة التي عرفت باسم النهر السالف الذكر. وقد ذكر(هيرودوت)في كتابه الخامس(40) أن القرطاجيين بعد ثلاث سنوات من تأسيس هذه المستعمرة استطاعوا بمساعدة قبيلة المكاي من طرد المغامر الإغريقي، حيث رحل عائداً إلى شبه جزيرة البيلوبونيز ببلاد اليونان.
  • 8-آكلة اللوتس : تقع أراضى آكلة اللوتس إلى الغرب من قبيلة الجيندانيس، التي تلي قبيلة المكاي وتبرز أراضى آكلة اللوتس في البحر على شكل رأس يمتد في عرض البحر ولقد حصلنا على أول ذكر لهذه القبيلة لدى (هوميروس) ثم وردت فيم بعد لدى (هيرودوت) و(سكيلاكس) و(بليني الأكبر) و(بطليموس). يقول(هيرودوت)(41) يصف ثمار اللوتس اللذيذة بان مذاقها يذكر بمذاق الرطب، وأن آكلي اللوتس يصنعون أيضاً من ثمار اللوتس الخمر وربما لهذه اللذة التي تمتاز بها ثمار اللوتس يشير(هوميروس) في ملحمته الأوديسة بأن من يأكل اللوتس يصرفه عن الاهتمام برؤية وطنه وزوجته وأولاده (42).
  • 9- الجرامنت : لقـد وضح لنا هيرودوت بأن مــوطن الجرامنت يقع على مسيرة عشرة أيام إلى الغرب من أوجلة وعلى مسيرة ثلاثون يوما إلى الجنوب من موطن آكلة اللوتس (43). يعتبر المؤرخ الإغريقي (هيرودوت) أول من أشار إلى الجرامنت ولذلك يعتبر مصدرنا الأساسي حول هذا الموضوع. وقد أشار إلى أن الجرامنت كثيرو العدد يملكون العربات التي تجر بواسطــة أربعــة من الخيل والتي كانوا يطاردون بها سكان الكهــوف الإثيوبيين وكانوا يضعون التراب على الملح ثم يزرعونه وكانت لهم ثيران وهى ترعى القهقرى، وسبب ذلك انحناء قرونها إلى الأمام (44). لم تقتصر معرفتنا للجرامنت عن طريق (هيرودوت) فقط بل إن (استرابون) و(بليني الأكبر) تحدثا عن الجرامنت أيضاً. وفى هذا السياق يشير(بليني الأكبر) في كتابه التاريخ الطبيعي بأن أراضى الجرامنت تقع على بعد اثني عشرة يوما من أوجلة(45)، ويشير في نفس الكتاب السابق إلى الصراع الذي كان يدور بين الرومان و الجرامنت وكيف إستطاع الرومان بقيادة (كورنيليوس بالبوس) إخضاع عاصمة الجرامنت جرمة بالإضافة إلى إخضاعهم العديد من المدن الأخرى(46)، التي كانت على الأرجح ضمن ممتلكات الجرامنت.
  • 10-الجيتول: الجيتول إحدى المجموعات الليبية القديمة التي ذكرها المؤرخون الكلاسيكيون. وهى مجموعة من القبائل كانت منتشرة جنوب الممتلكات القرطاجية ، ومملكة نوميديا وهى تمتد جنوبا حتى تحاذى أطراف الصحراء من الشمال. وإذا تتبعنا اسم هذه المجموعة السكانية فإننا نجد أول ذكر لها كان عن طريق المؤرخ اللاتيني (سالوست) (القرن الأول قبل الميلاد)(47). وقد توالى ذكر هذه المجموعة السكانية فيما بعد لدى معظم الكتاب الكلاسيكيون مثل(استرابون) و(بليني الأكبر)و(بروكوبيوس القيصري). ويبدو أن اسم الجيتول دخل عليه بعض التحريف، عندما بدأ العرب المحدثون نقل هذا الاسم من اللغتين اليونانية واللاتينية إلى اللغة العربية حيث كتب مرة بصورة جيتــول وكتــب مرة أخرى بصورة عربية صــرفة وهى جدالة ويبدو أن هؤلاء الأخيرين كانوا محقين لأن الاسم جدالة قريبا جداً من الاسم القديم جيتول(48).
  • 11- المـور : تقع أراضى المور ما بين المحيط الأطلسي في الغرب، ووادي مولوكا(ملوية) في الشرق ويبدو أن اسم مــوريتانيا أو مــوروسيا اشتــق مــن اسـم هذه القبيلة الواسعة الانتشار(49). لقد توالى ذكر المور في الكثير من المناسبات منذ نهاية القرن الخامس قبل الميلاد وحتى نهاية العصور القديمة حيث تم الإشارة إليهم في الحملة المبكرة التي قام بها القرطاجيون ضد الإغريق في صقلية عام 406 قبل الميلاد وكذلك تم الإشارة إليهم أثناء محاولة الغزو الروماني لشمال إفريقيا عام 256 قبل الميلاد وأيضاً أثناء الحرب البونية الثانية حيث ذكروا ضمن جيش هانيبال في معركة زاما. وقد أشار إليهم المؤرخ اللاتيني(سالوست) عند حديثه عن السكان الأوائل لإفريقيا(50). ولقد ظل اسم المور حيا حتى العهد البيزنطي حيث تمت الإشارة إليهم عن طريق المؤرخ البيزنطي(بروكوبيوس) في كتابه العمائر(51) عند حديثه عن تغلب المور على الوندال واستيلائهم على مدينة لبدة الكبرى. والجدير بالــذكر هنا أن(بروكوبيوس) كــان يسمى هذه المجموعة السكانية أحياناً باسم المور وأحياناً أخرى باسم لواتة. وقد عاد (بروكوبيوس) إلى الإشارة إلى المور من جديد في نفس الكتاب السابق حيث ذكر بأن الإمبراطور(جستنيان) احتل طرابلس وبقية ليبيا داحراً الوندال والمور.وقد أشار (بروكوبيوس) إلى المور أيضا في كتابه الحروب الوندالية(52) عندما تحدث عن القائد الليبي كابا وان الذي انتصر على الوندال. وقد وصفه (بروكوبيوس) بأنه كان يحكم مور طرابلس التي كانت تعنى في ذلك الوقت إقليم المدن الثلاث ( لبدة و أويا و صبراتة ).
  • 12-الإستوريون: لقد وصلتنا أخبار هذه القبيلة أثناء عهد الإمبراطورية الرومانية المتأخرة وذلك عند الإشارة إلى الهجمات التي كانت تقوم بها هـــذه القبيلة ضد المدن التي يسيطر عليها الرومان سواء على المدن الثلاث ( لبدة وأويا و صبراتة)، أو على المدن الخمس (قورينا و برقة وبطوليمايس وتوخيرا ويوسبيريدس) أو من خلال التحالفات التي كانت تقيمها هذه القبيلة مع القبائل الليبية الأخرى ضد القوات البيزنطية المتمركزة في قرطاجة والمدن التي تقع إلى الشرق والغرب من هذه المدينة. وليست لدينا الكثير من المعلومات عن أصل هذه القبيلة ومصادرنا محدودة تحصلنا بعضها عن طريق (اميانوس ماركيلينوس) (عاش في حدود الفترة ما بين 330 - 400 ميلادية) وتحصلنا على البعض الآخر عن طريق (فلافيوس كريسكونيو كوريبوس) (القرن السادس الميلادي) من خلال ملحمته الشعرية الحرب الليبية الرومانية. ويرى البعض بأن هذه القبيلة قدمت من الواحات الشرقية، ثم استقرت، خلال العهد الروماني المتأخر بمنطقة خليج سرت وتذكر المصادر الرومانية المتأخرة أن قبيلة الاوستريانى هاجمت مدينة لبدة ثلاث مرات متتالية، وهو الأمر الذي أدى إلى تدمير معظم منشآت المدينة ولاشك أن الذي اكسب غارات الاوستريانى هذا العنف وهذه القوة استعمال هذه القبيلة للجمل في غاراتها، والجدير بالذكر أن الرومان رفضوا مد العون إلى مدينة لبدة الكبرى وحتى عندما وافقوا على نجدة المدينة كان من أهم شروطهم تزويدهم بكميات ضخمة من المؤن وأربعة آلاف جمل(53). ويحدثنا (فلافيوس كوريبوس) عن قبيلة الاستوريين، بأنها كانت كثيرة العدد والعدة وهى معروفة بشجاعتها وتخطيطها للحروب المتقنة للنيل من الأعداء. وفى هذا السياق يشير (كوريبوس)، بأن الاستوريين يقومون بتجميع للإبل في صفوف متماسكة على شكل حواجز ويحفرون الخنادق، ثم يضعون مختلف قطعان الماشية وسط حلقة وذلك لكي يوقعوا بالأعداء في شراك هذه الحواجز وبالتالي يمكن سحقهم في غمرة من الاضطراب والفوضى التي تنتاب الصفوف في مثل هذه الأحوال (54).
  • 13- لواتة : لقد وصلتنا أول إشارة عن قبيلة لواتة عن طريق المؤرخ البيزنطي (بروكوبيبوس القيصري)، من خلال كتابيه العمائر والحروب الوندالية ونلاحظ أن (بروكوبيوس) كان يرى بأن المور ولواتة اسمين لمجموعة سكانية واحدة كانت منتشرة في كل المنطقة الممتدة من طرابلس وحتى تيبسا بالجزائر. وقد ذكرت المور على أنها لواتة في العديد من كتابات (بروكوبيوس) فنجده يشير إلى المور الذين دعــاهم في نفس الــوقت لــواتة عند حديثه عــن تغلب هؤلاء على الونـدال واحـتلالهم لمدينة لبدة ونجده يشير إليهم عند حديثه عن المذبحة التي نفذها البيزنطيون في مدينة لبدة ضد ثمانون شيخا من أعيان لواتة، ونجده يشير إلى المور على أنهم لواتة عند حديثه عن الحروب التي شنها الليبيون ضد حاكم إفريقيا البيزنطي سليمان فنجده يتحدث عن المور ولواتة في طرابلس، والمور ولواتة في بيزاكيوم (سوسة بتونس) والمور ولواتة في تيبستا (تيبسا) بالجزائر(55). والجدير بالذكر أن قبائل لواتة لم تنتهي مع نهاية الحكم البيزنطي للمنطقة بل ظلت تتردد في الكثير من المصادر العربية الإسلامية حيث تم الإشارة إليها عــن طريق ابن عبد الحكم في كتابه فتوح مصر وإفريقيا(56)، و اليعقوبي في تاريخه(57) وابن خرداذابة في كتابه المسالك والممالك (58)، والهمذانى في كتابه الإكليل(59)، ونشوان بن سعيد الحميري في قصيدته ملوك حمير و أقيال اليمن(60) وأبى الحسن على بن سعيد في كتابه المغرب في حلى المغرب(61). وابن خلدون في كتابه العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر(62).

[تحرير] المصادر